التعرف على الواقع المحيط
السؤال: كثير من شباب الدعوة في هذه المنطقة يجهل ما يدور حولنا من واقع قد يهدد هذه الصحوة ويهدد عقيدتنا، وذلك لقلة المحاضرات المركزة التي تناقش هذا الواقع المؤلم؛ وتطرح القضايا والأحداث الجارية، فهل تعطينا عرضاً سريعاً لآخر الأحداث في العالم الإسلامي، وخاصة في الجزائر، وإرتيريا وأفغانستان وغيرها؟
الجواب: الحقيقة أن قلة المحاضرات المركزة في جانب معين مما يهدد الدعوة والعقيدة، لا شك أن هذا نقص مشاهد ومعروف ومعلوم، ومن أسباب ذلك:
أن أكثر الناس ربما لا يحرصون على هذه المحاضرات أو لا يفهمونها أو لا يرون أنها تمس واقعهم، وأحياناً قد لا يحتاجونها.
نحن طلبة العلم نقر بذلك، أنهم أحياناً قد لا يحتاجون لمثل هذه المحاضرات المركزة في خطر الواقع، والخطر على العقيدة وعلى الأمة، وإنما يحتاجون إلى المواعظ والمحاضرات العامة التي تربطهم بالإيمان بالله، وبأداء فرائض الله، وهذا خير لا شك فيه، وجوانب الخير لا تتعارض، لكنها تظل جوانب مهمة، فلا يغفل جانب لحساب جانب آخر، فتلافي هذا لا شك أنه أمر مطلوب.
ويجب على الإخوة الواعين أن يقوموا -بأنفسهم- بما يستطيعون، وأن يستقدموا من يمكن أن يزيد في هذا الجانب؛ لأن بعض الإخوة قد يلوم أو يعاتب من في المدن، فحتى تكون الأمور واضحة على حقيقتها أقول:
أنت حتى بعض أمورك الأساسية في واجباتك في البيت أو في الجامعة أو في المدرسة، إذا سكتوا عنك تفرح وربما تتساهل، وهذا شيء واضح، وكلنا نعاني من ذلك، لكن مع المطالبة الشديدة تفرح وتستكمل كما قال الشاعر:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
أما بالنسبة للعالم الإسلامي عموماً فإنه يمر بمرحلة مخاض، وهي مثل مرحلة ما قبل الولادة، وهي كالغلس الشديد الذي يكون قبل طلوع الشمس.
نحن الآن نعيش في صراعات وتناقضات وفي أحداث غريبة متلاحقة ومتنافرة، وإن شاء الله سيكون بعد هذا المخاض ولادة الأمة المؤمنة، وخروج العملاق الذي سيقود هذا العالم بأجمعه إلى الخير.
فمثلاً: الجزائر ما كان أحد يتوقع أن تقوم فيها للإسلام راية في مثل هذه السرعة، وإن كنا لا نحب العجلة ونشفق ونخاف منها لكن في الحقيقة أنه قامت فيها نهضة قوية.
ومن ذلك ما انتشر وعرفتموه -والحمد لله- من فوز الجبهة الإسلامية بأكثرية ساحقة في الولايات، حتى أنه في نفس العاصمة -والعواصم دائماً أكثر المناطق فساداً وبعداً عن الخير- نجد أنه لم تفز الحكومة في حيٍّ واحد من أحياء العاصمة، فحتى أحياء العاصمة فاز فيها الإسلاميون في الانتخابات المحلية، وهذا شيء عجيب، أن يقع ذلك في البلد الذي رسخت فيه اللغة الفرنسية والعادات والتقاليد الفرنسية.
ووقف الغرب كله، كما تسمعون صوت لندن أو أمريكا أو غيرها يستطيع التقارير، حتى الاجتماع المعقود لرؤساء وزراء دول المغرب الثلاث: من ضمن موضوعاته التي لم تعلن، ولكن أعلنتها بعض الإذاعات: كيف نواجه هذه الجبهة الإسلامية التي بدأت تغزو هذا البلد؟! كيف جاءت؟!
هذا فضل من الله سبحانه أولاً، ثم بفضل جهود الدعاة إلى الله، وقد استمعت إلى محاضرة للشيخ عباس مدني رئيس الجبهة الإسلامية، ألقاها في الحج قال: إننا أولاً إنما دعونا الناس إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاجتمعوا، وركِّز على هذه القضية، ولم نفرق الأمة إلى شيع أو إلى طوائف وأحزاب متنافرة، بل دعوناهم جميعاً إلى الكتاب والسنة، وذكر هو بنفسه كلمة الإمام مالك رضي الله عنه إمام دار الهجرة عندما قال: ''لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها'' .
ثانياً: حملنا كل إنسان في الشعب مسئوليته، فنقول له: أنت مسئول أمام الله، هل تختار الإسلام أو تختار غيره؟ هل تأمر بالمعروف أم لا؟ هل تكون عبداً لله أو لـفرنسا؟ أتريد الاشتراكية أم تريد منهج محمد وهو القرآن والسنة؟
فحمل كل إنسان مسئوليته، فقام الناس قومة واحدة، حتى كانوا في مباريات الكرة، يجتمع في الملعب خمسون ألف أو أكثر، ويظن الناس أنهم اجتمعوا للعب الكرة، وإذا بهم يهتفون بالهتافات الإسلامية، وهذا قبل الانتخابات، فحصلت صحوة طيبة مباركة؛ لأنها دعت في الجملة إلى الالتزام العام بالكتاب والسنة، وفي هذا دليل على أنه لا يجمع الأمة إلا هذا المنهج.
ونسأل الله -سبحانه- أن يوفقهم فيما بقي وأن يحفظهم! وهذه آثار الدعوات الطيبة:
دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وئدت ثم قامت، ثم ماتت ثم قامت، وكذلك الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله فهو داعية ومجدد الجزائر قامت دعوته، ثم جاءت الاشتراكية وقضت عليها، ثم هاهي تقوم من جديد، وهي دعوة سلفية على منهج الكتاب والسنة، ولله الحمد.
أما في إرتيريا، فهناك الجبهة الشعبية، وهي جبهة ماركسية في الظاهر، ولكنها صليبية في الواقع، ويقف مع الجبهة الشعبية لتحرير إرتيريا أمريكا والغرب كله، وتريد أمريكا من مخططاتها الصليبية العالمية أن تجعل طوقاً نصرانياً في إفريقيا يحد من انتشار الإسلام، وهذا الطوق يشمل إرتيريا التي يريدون أن تحكمها الجبهة الشعبية، وقد سيطرت الآن على معظمها، ويريدون -أيضاً- أن يفصلوا جنوب السودان ويقيموا فيه دولة نصرانية، ثم يربطوا هذا الحزام إلى غرب إفريقيا، حيث يوجد هناك أكثريات مسلمة، ولكن حكامها من النصارى، وكذلك ليبيريا التي تسمعون عنها كل يوم، والمأساة والضحية هم المسلمون.
فإيجاد هذا الطوق وهذا الحزام إنما هو لمنع انتشار الإسلام، وتغلغل الإسلام إلى جنوب إفريقيا ووسطها، ثم يبدأ يتقلص في الشمال، ولهم دعم للنصارى في مصر، وهكذا يريدون تطبيق هذا الحزام.
حتى إنهم حاولوا -وهم جادون وقد عملوا من ذلك الشيء الكثير- أن يُنصِّروا دول الخليج، والآن لهم كنائس ضخمة -في كثير من دول الخليج- علنية في الميادين العامة، فيريدون أن يحيطوا هذا البيت الحرام وهذه القلعة من قلاع توحيد الله، بسياج نصراني، ولذلك فإن كل المساعدات التي تتلقاها الجبهة كلها من الغرب ومن أمريكا، مع أنها تعلن أنها ماركسية أو شيوعية، وكذلك من حكومة إثيوبيا النصرانية.
المسلمون ظهروا وعندهم فكرة، ولها الآن أكثر من سنة، وهي لماذا لا نجتمع؟ فاجتمعوا وعقدوا ميثاقاً فيما بينهم على أن تكون دعوتهم وجهادهم على الكتاب والسنة، فسموها حركة الجهاد الإرتيري، واتفقوا على ألا يكون للحركة أي منهج إلا منهج الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح لها، لا ينتسبون إلى أية فرقة أو إلى أي مبدأ غير كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعظمهم من خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة، فقاموا وإذا بتباشير النصر وتباشير الخير -والحمد لله- تأتيهم من كل جهة، فتوحد أكثر الإرتيريين تحت قيادة هذه الجبهة، ثم بدءوا في أعمال ميدانية، نسأل الله أن يبصرهم وأن يوفقهم وأن يحفظهم.
فأهم خطوة للنصر هي الاجتماع على الكتاب والسنة، وما بعد ذلك فسيأتي بإذن الله، وإن كان بعد الابتلاء والامتحان، كما حصل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللصحابة.
فنحن ندعو الله لهم بالثبات. وأيضاً ننصح لهم بما نستطيع أن يثبتوا على أن يكون منهجهم منهج الكتاب والسنة، قال تعالى: ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ))[الحج:40]، هذا المنهج من تمسك به نجا وفاز بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أما أفغانستان: فالقضية الأفغانية هي القضية الأولى المعروفة في الساحة -والحمد لله- والكل يعرفها حتى العوام، وحتى النساء، وحتى الأطفال يعرفونها، ولكن ما قد يخفى من تفاصيلها أنه بقدر ضخامة الجهاد الأفغاني والهزة الهائلة التي أحدثها في موازين القوى العالمية، وبقدر صمود هذا الشعب المسلم في وجه هذه الدولة العاتية، بقدر ذلك كان التخطيط المقابل الذي نغفل عنه دائماً، عندنا دغدغة العواطف والبهجة والفرح فقط.
نركز على جانب التفاؤل ولا نحسب الحساب للحذر، والله تعالى أمرنا أن نأخذ حذرنا دائماً، وأن نكون حذرين من المجرمين، وهذا الذي جعل اللعبة الدولية تحاك بأن يخرج الروس من أفغانستان، فإذا خرجوا ستضعف المقاومة، وسيضعف التفاعل في العالم الإسلامي: من التبرعات، والمساعدة المادية والمعنوية، وكل شيء سيضعف؛ لأن الناس يرون أن الروس قد خرجوا.
والشيء الآخر:أن الحكومة الأفغانية الموجودة تنادي بشعارات إسلامية، أصبحت تعرض مواعظ، وتعرض الصلاة، وأبيحت حتى في معسكراتهم!
وكثير من الأسئلة تقول: نريد أن نقاتل الشيوعيين، أو نطلق عليهم النار؛ فإذا بهم يؤذنون ويصلون؟! فهم قد عرفوا سر اللعبة! الشيوعيون قالوا: هؤلاء جاءوا للجهاد على أساس أن هناك مسلماً يقاتل كافراً، فلا شك أن كثيراً من الناس يتحرز من قتال المسلم وهو يصلي، ويقول: لا إله إلا الله.
الأمر الآخر: قالوا: لو استمر الجهاد بهذه القوة، وأخذ جلال أباد ثم كابل، ستقوم دولة إسلامية، وستكون خطراً على تركستان والبلاد الإسلامية التي تحتلها روسيا من جهة.
وإذا ظهرت العملة الأصيلة فإن الدنانير الزائفة سوف تختفي من السوق.
أي: لو قامت دولة إسلامية نقية، كما يسمونها في لندن وغيرها حركة وهابية، فلا شك أنها ستفضح واقع المنطقة التي حولها، فرأوا أنه يمكن أن يجمع بين هذه المتناقضات بأن يجتمع الأفغان على الملك أو أي رئيس آخر لا يكون من المجاهدين الوهابيين أو المتطرفين، بمعنى أن يكون إنساناً ديمقراطياً علمانياً مرناً يُحب الغرب، ويعيش مع الغرب، وينادي بالحرية الإنسانية والديمقراطية وحكم الشعب.. إلى غير ذلك؛ فيجتمعون عليه.
فبعض المجاهدين رأى أن المصلحة في هذه المرحلة الآن أن نغض النظر ونقبل هذا حتى نقوى أكثر، والبعض يقول: إذا استسلمنا من الآن فإن ذلك سيجعلنا نستسلم فيما بعد؛ فحدثت مشكلة.
كذلك حدثت مشكلة الروافض أعداء الله ورسوله، الذين يقفون مع كل عدو ضد المسلمين.. فإنهم قد قاموا يطالبون بمقاعد في البرلمان، ومن الوزارات، ومن الزخم الإعلامي ما لم يبذلوا من أجله أي شيء، وهم لا يستحقونه؛ بل يجب ألَّا يُشرَكوا أبداً في أية حكومة، فالحكومة الإسلامية لا يجوز أن يشرك فيها أعداء الله ورسوله وأعداء الكتاب وأعداء السنة..!
أيضاً: هم يشكلون عاملاً آخر... وهكذا؛ فنتيجة لذلك حصل ما ترونه الآن من المراوَحة في موضع واحد، وعدم التقدم الحاسم السريع لهذه القضية.. ومع ذلك نقول: إن إيجابياتها كبيرة جداً والحمد لله، وإن المستقبل للإسلام.
إن إخواننا هناك يحتاجون منا الدعاء بالنصر والثبات على الحق، ويحتاجون -أيضاً- أن نمدهم بالدعوة وبالرأي الصائب لكي يستقيموا عليه لينصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويحتاجون إلى المساعدات المادية التي تقلصت عليهم في الفترة الأخيرة، وأصبحوا يشكون من تقلصها، وهم في أشد الحاجة إليها مع ظروف الحرب، وهناك أيضاً ظروف البيئة والحر.. إلى غير ذلك، ونسأل الله سبحانه أن ينصرهم وأن يظهرهم على عدوهم، وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان.. إنه سميع مجيب.